روايات رومانسيه

رواية ف هواها متيم الفصل الثاني عشر

من حكم لقمان الحكيم
ثلاثة لا تعرف إلا بثلاثة: لا يعرف الحكيم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلّا في الحرب ولا أخوك إلا عند الحاجة إليه.

١٢–” رغمًا عنه “

بدون انتظار كلمة منهما ، قام رفيق بحمل علية ، وذهب سريعاً الى سيارته ، وضعها بالمقعد الخلفى وجلست ليان بجانبها ، بينما جلس باسم بجواره بالمقعد الأمامى ، فذهب سريعاً إلى المشفى حسبما أخبره باسم بكيفية الوصول إليها ، وصلوا الى المشفى ، فركض رفيق للداخل ، وماهى إلا دقيقتين حتى خرج برفقة إثنان من الممرضين ، يجران سريراً متحركاً خاص بالمشفى ،فأسرعوا بأخذها الى احدى غرف المشفى ، وقام الطبيب المختص بفحصها ، وهى مازالت غائبة عن الوعى ، وليان تبكى بقهر يحتضنها أخيها باسم

فتقدم رفيق من الطبيب قائلاً :
–:” هى مالها يا دكتور فى إيه”

إلتفت له الطبيب ، ونظر له بإستغراب وقال :
–:” هو مين حضرتك أنت قريب الحاجة علية”

أماء رفيق برأسه وهو يقول:
–:” حاجة زى كده يا دكتور هى مالها طمنى”

جذبه الطبيب من مرفقه بعيداً عن ليان وشقيقها قائلاً بأسف :
–:” هى الصراحة حالتها حرجة جداً وصعبة وأنا حذرتها كتير إحنا مضطرين ندخلها العناية المركزة”

شعر رفيق بالقلق من قول الطبيب ، ولكنه لم يستطع سوى أن يقول :
–:” حضرتك شوف ايه المناسب لها والأصلح واعمله ولو محتاجة أنقلها مستشفى تانية فى القاهرة أنا مستعد”

حرك الطبيب رأسه قائلاً :
–:” للأسف مش هيفيد نقلها لمستشفى تانية بحاجة ، ربنا يشفيها إن شاء الله”

بعد ذهاب الطبيب ، أقتربت منه ليان وعيناها باكية ، تريد معرفة ماذا أخبره الطبيب بشأن جدتها

فمسحت عيناها وهى تقول:
–:” هو الدكتور خدك على جمب كده وقالك ايه”

زفر رفيق قائلاً بهدوء محاولة منه أن يطمأنها لعلها تكف عن البكاء:
–:” مفيش حاجة متقلقيش إن شاء الله خير”

لم تكتفى منه بذلك القول ، فهى تشعر بوجود شئ أخر ، فهتفت به بغيظ وصياح :
–:” بقولك قالك إيه ومتحاولش تضحك عليا ، أنا أعصابى مش مستحملة رد عليا”

أكتسح الغضب ما تبقى لديه من مقدرة على أن يضبط أعصابه ، فصاح بوجهها غاضباً:
–:” وطى صوتك واحترمى نفسك بقى هو أنتى فى إيه ولا إيه أنا مش فاضى لقلة أدبك دى دلوقتى “

تقدم باسم منهما ، وطوق كتف شقيقته يجذبها إليه ، فنظر لرفيق بحزن قائلاً :
–:” معلش يا أستاذ رفيق قولنا هى تيتة مالها”

أشفق رفيق على حالته ، فأخفض وجهه وهو يقول بقلة حيلة:
–:” جدتك محتاجة تدخل العناية المركزة علشان تعبانة يا باسم”

رمقته بإمتعاض وهى تقول :
–:” ومقولتش ليه كده على طول لما سألتك”

لم يحتمل سماع كلمة أخرى منها ، فمن الأفضل لها أن تصمت ، فهو لا يعلم ما يمكن أن يفعله بها بهذا الوقت العصيب ، لكنه أتخذ الحذر وسيلة له ، لعلها تكف عن أقوالها وأفعالها

فرفع سبابته بوجهها آمراً:
–:” بقولك إيه أنتى اخرصى خالص ومسمعش صوتك ده نهائى أنتى فاهمة ، أنا على أخرى منك ، وكلمة كمان صدقينى هيبقى ردى المرة دى مش هيعجبك فأحسن ليكى تتجنبينى خالص مفهوم وأقعدى مكانك وأسكتى”

تفوه بكلماته فحوت تهديداً ووعيداً وغيظ وغضب من تصرفاتها الحمقاء والطفولية ، فهذا ليس وقت مناسب لتلك التفاهات منها ، فأرتعدت ليان من صوته الصارخ بها
وأزدردت لعابها وعجزت عن الرد خوفاً منه ، بل بحثت عن مكان لتجلس به بعيداً عنه

تم وضع علية بغرفة العناية الفائقة ، فظل رفيق جالساً على أحد المقاعد بجواره باسم ، وليان تجلس بعيداً عنهما

خرج الطبيب من غرفة العناية الفائقة ، فهب رفيق واقفاً وهو يقول متسائلاً:
–:” هى عاملة إيه دلوقتى يا دكتور”

رد الطبيب قائلاً :
–:” الحمد لله فاقت بس هو حضرتك رفيق”

أماء رفيق برأسه وهو يقول:
– :” ايوة انا حضرتك بتسأل ليه”

أشار الطبيب بيده له بالدخول قائلاً :
–:” علشان الحاجة علية عايزة تشوفك”

قطب رفيق حاجبيه قائلاً بغرابة:
–:” تشوفنى انا ولا قصد حضرتك أنها عايزة تشوف احفادها”

نفى الطبيب ما قاله ، فأجابه بهدوء :
–:” لاء هى عايزة تشوفك أنت قبلهم”

لم ينتظر رفيق ثانية أخرى ، فدلف الى غرفة العناية الفائقة ، وجلس على مقعد بجوار السرير ، فوجدها تبتسم له بوهن

فتبسم لها هو الأخر قائلاً:
–:” أيوة يا حاجة علية كنتى عايزة تشوفينى خير”

ربتت علية على يده المستندة على حافة الفراش وهى تقول:
–:” خير يا ابنى ان شاء الله”

رفع رفيق يده الأخرى ، ووضعها على يدها ، وشد عليها برفق وقال :
–:” حضرتك عايزة حاجة اؤمرى أنا تحت أمرك”

قبضت علية على كف يده وهى تقول بصوت خافت :
–:” الأمر لله يا بنى أنا عايزة اقولك على سر بس مش عايزة حد يعرفه ولا حتى ليان وباسم “

شب القلق بقلبه إلا أنه أستطاع القول :
–:” أتفضلى يا حاجة علية قولى”

أنصت إليها باهتمام شديد ، لمعرفة ماذا تريد ان تخبره بهذا الوقت العصيب ؟ وبذات الوقت كانت ليان تسير بممر المشفى ، متعجبة من رغبة جدتها فى رؤية رفيق بمفرده فماذا يحدث يا ترى وهى لا تعلم؟
______________
بعد أن أنتهى من عمله ،خرج من مكتبه ، وقد نسى تماماً انه يصطحب طفلته معه ، من كثرة العمل ، فخرج يبحث عنها

رأى نسرين فأقترب منها متسائلاً:
–:” نسرين فين كنزى راحت فين”

تبسمت نسرين قائلة :
–:” مع الباشمهندسة سارة قاعدة معاها”

–:” أه ماشى شكرا يا نسرين”
ذهب أكمل إليهما ، ووقف أمام الباب ينظر اليهما بابتسامة ، وهو يرى سارة واضعة كنزى امامها على المكتب ، وتنهى عملها بذات الوقت ، ولكن تشاكسها كنزى من وقت لأخر فتبتسم لها

شدت كنزى القلم من يدها وهى تقول :
–:” سارة كفاية عايزة العب”

أخذته منها سارة ثانية وقالت بإبتسامة :
–:” اخلص بس الورق ده ونكمل لعب علشان بابى ما يزعلش”

قالت الصغيرة وهى تهز ساقيها :
–:” ماشى بس بسرعة”

ولكن لمحت الصغيرة والدها ، يقف على عتبة الباب ، فركضت إليه ، فأنحنى إليها وحملها عن الأرض ، فقالت الصغيرة بحماس :
–:” بابى مش انا بقى عندى صاحبة جديدة هى دى اسمها سارة”

أستقامت سارة بوقفتها وهى تقول بحرج :
–:” انا اسفة يا مستر أكمل لو كنت خليتها قعدت معايا الوقت ده كله”

تبسم لها أكمل قائلاً:
–:” بتتأسفى على ايه انا اللى المفروض اشكرك على انك اخدتى بالك منها”

نظرت سارة للصغيرة المتعلقة بعنق والدها وهى تقول:
–:” هى الصراحة كنزى عسولة وتتحب بسرعة ربنا يباركلك فيها”

قال أكمل بابتسامة:
–” شكراً يا سارة المفروض تروحى الوقت اتأخر”

وضعت سارة ما بيدها ، وأخذت حقيبتها تضعها على كتفها وقالت:
–:” انا كنت مستنية أخلص ورق الشغل وكمان حضرتك علشان تاخد كنزى عن اذنكم”

رد أكمل بهدوء :
–:” اتفضلى مع السلامة”

لوح سارة بيدها للصغيرة قائلة :
–:” الله يسلمك باى يا كنزى”

لوحت كنزى لها وهى تبتسم :
–:” باى يا سارة ابقى تعالى بكرة علشان نلعب سوا”

أفلتت ضحكة قصيرة من سارة وقالت :
–:” حاضر يا كنزى ان شاء الله”

أخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة ، يتبع أثرها بابتسامة ونظرة شاردة لم ينتبه الا على جذب طفلته لوجهه لتجعله ينظر لها وهى تقول:
–:” بابى يلا بينا علشان نروح”

قبلها أكمل على وجنتها قائلاً بحب :
–:” يلا يا روح بابى “

أخذ طفلته وخرج من الشركة ، وهو يتمنى أن لا يعود إلى ذلك المنزل ، الذى تقطنه تلك المرأة المدعوة زوجته

لاحظ وقوف سارة أمام الشركة تحاول ايقاف سيارة اجرة ولكنها لم تفلح بذلك فاقترب منها متسائلاً:
–:”فى حاجة يا أنسة سارة”

أرتعدت سارة بعد سماع صوته ، فهى لم تلاحظ إقترابه منها ، فأبتلعت ريقها قائلة:
–:” لا ابدا يا مستر أكمل مفيش حاجة”

نظر أكمل للطريق قائلاً:
–:” شكلك مش لاقية مواصلات تعالى معانا هنوصلك”

رفضت سارة عرضه لها وهى تقول:
–:” لاء شكرا لحضرتك اتفضل انت متشغلش بالك”

تعلقت الصغيرة بيدها قائلة :
–:” تعالى يا سارة بابى العربية بتاعتة كبيرة”

وقامت بسحبها من يدها الى السيارة ، حتى أنها فتحت باب السيارة لتدخل اليها ، فجلست سارة فى الخلف وبجوارها الطفلة

فجلس أكمل خلف المقود قائلاً :
–:” انتى ساكنة فين يا سارة”

شعرت سارة بحرج طفيف وهى تقول:
–:” أنا ساكنة فى السيدة زينب”

–:” تمام”
قاد أكمل سيارته ، وهى تشعر بالحرج منه ، ولكنها حاولت تخفيف خجلها وتوترها ، بمداعبة الصغيرة ، عندما وصلوا الى وجهتهم رفضت الصغيرة ترك سارة

ولكن ألح عليها أكمل قائلاً :
–:” يلا يا كنزى يا حبيبتى”

رفضت الصغيرة الإنصات إليه وهى تقول:
–:” لاء يا بابى خلينى مع سارة شوية بس”

نهرها أكمل بلطف قائلاً:
–:” حبيبتى مينفعش كده أسمعى الكلام”

رمقته الصغيرة بإستجداء :
–:” علشان خاطرى يا بابى “

رأت سارة تعلق الصغيرة بها ، فلم تجد مفر من العرض عليهما الصعود معها ، فقالت بحرج شديد :
–:” طب اتفضلوا اشربوا حاجة وبعدين امشوا”

بسبب اصرار الصغيرة على مرافقة سارة ، وافق أكمل على الصعود معهما ، ولكن شعرت سارة بالحرج من المكان الذى تعيش به ، فحتما تلك الغرفة التى تسكنها لا تشبه بشئ منزله الفخم

فقالت سارة بغصة:
–:” آسفة هو المكان مش قد المقام”

تبسم لها أكمل وهو يقول:
:” لا أبداً متقوليش كده”

قامت سارة بطرق باب الغرفة ، ففتحت والدتها بابتسامة ، فتعجبت من وجود رجل وطفلة مع ابنتها

فقبل أن تقول شيئاً ، أسرعت سارة قائلة :
–:” ماما ده الأستاذ أكمل صاحب الشركة اللى بشتغل فيها ودى بنته”

على الرغم من عدم فهمها لسبب وجود رب عمل إبنتها هنا ، ولكنها لم تجد مفر من الترحيب به هو والصغيرة ، فدعتهما للدخول قائلة:

–:” اهلا وسهلا اتفضلوا نورتونا ولو ان المكان مش من مقامكم”

ولج أكمل لداخل الغرفة وهو يقول :
–:” متقوليش كده المكان منور بيكم”

لايعرف كم الراحة التى شعر بها ، فى تلك الغرفة البسيطة ، فهى تحوى دفء وحب لا يوجد بمنزله الفخم ، رآى أيضاً سعادة طفلته ووالدة سارة تحدثها

قامت سارة بتحضير العشاء ،وقلبها يكاد يقفز من صدرها من شدة دقاته ، وهو موجود فى المكان ، فحاولت أن تنهر نفسها عن التمادى فى مشاعرها نحوه أكثر من ذلك

فوضعت الطعام الذى أوصت عليه والدتها ، بعد إصرارها على أن يأخذوا واجب الضيافة كاملاً
جلسوا لتناول الطعام ، ولدهشتها وجدته يأكل معهم بعفوية وليس بطريقة متأنفة ، كما ترى بعض الاغنياء يفعلوا ، حتى الصغيرة أيضاً اكلت حتى غلبها النعاس

زفر أكمل بإرتياح من شعوره بالإمتلاء ، فنظر لوالدة سارة قائلاً بإمتنان :
–:” انا متشكر جدا على الأكل الجميل ده”

تبسمت له وهى تقول :
–:” ألف هنا وشفا ودى حاجة مش قد المقام يا ابنى”

نفض أكمل يده وهو يقول :
–:” والله حضرتك انا مكلتش اكل بالطعامة والحلاوة دى من يوم امى الله يرحمها ما اتوفت”

ردت سارة قائلة :
–:” الله يرحمها حضرتك الشاى بتاعك ايه”

أجابها أكمل وهو ينظر لصغيرته الغافية بجواره :
–:” خفيف معلقة سكر واحدة”

ذهبت سارة لإعداد الشاى ، فنظرت له والدتها ، فأعاد ترحيبها له للمرة التى لا تعلمها ، فهى لا تجد ما تقوله :
–:” منور يا أستاذ أكمل الدنيا زاد نورها”

–:” تسلمى يارب”
قالها أكمل بهدوء ، فبعد الانتهاء من جلسته معهما ، حمل صغيرته بين ذراعيه ، وهو يشعر أنه يريد أن يظل هنا هو وابنته الى الأبد ، ولكنه عاد إلى واقعه ، بأنه يجب أن يعود الى منزله أو إلى جحيمه إذا صح القول
_______________
اليوم التالى مساءاً

يسير رفيق بحديقة المنزل شارداً ، يفكر فيما حدث ، وبذلك الأمر الذى أخبرته به علية ، فتلك هى المرة الأولى ، التى يشعر بها أنه عاجزاً عن التفكير ، وجد طاولة صغيرة ، فسحب أحد مقاعدها وجلس يفكر ماذا يفعل هو الآن ؟

ولكنه لمح خروج ليان هى الأخرى ، أنتظر أن تقترب من مجلسه ، ولكن عندما وقع بصرها عليه ، فضلت الجلوس بمكان أخر ، فيكفى ما هى به ؟ فهى لا تريد أن تتشاجر معه ، ولكن عيناه ظلت تتبع أثرها ، حتى رأها تجلس بالقرب من إحدى الشجيرات الصغيرة

فأستند بمرفقيه على الطاولة ، وأستند بذقنه على كفيه المضمومين ، وهو مازال ينظر بإتجاهها ، فربما هى تلك المرة الأولى التى يمعن النظر بها ، فهى حقاً جميلة ، وربما جاذبيتها قادرة على جذبه إليها ، فأنتفض جسده من تلك الخاطرة ، فكيف له التفكير بهذا الأمر ، فهل فتاة مثلها ، ربما تركت طفولتها من وقت قريب ، هى من ستجعله يتخلى عن بروده من أجلها ؟ ربما هو معتوه ، أو أصاب عقله شئ من الجنون ، ولكن هاتان العينان ، لهما تأثير الخمر على الحواس ، فكم يرغب أن ينهل من خمر عينيها حتى يشعر قلبه بالثمالة ، ولكن عندما وجد افكاره تجرفه إلى ما لم يشعر به منذ سنوات طوال ، هب واقفاً وذهب سريعاً إلى تلك الغرفة التى يقطنها حالياً بحديقة المنزل ، فهذا أفضل له

فبعد مرور ثلاثة أيام . ..لم يستطيع بها رفيق العودة الى منزله ، هاتف والدته وأخبرها بحدوث أمر طارئ ، سيتسبب فى تأخير عودته للقاهرة ، فكل يوم يصطحبها هى وأخيها الى المشفى ، فما حدث بالثلاثة أيام الماضية ، جعل عالمه ينقلب رأساً علي عقب
جلست ليان فى السيارة ، لا تنطق بكلمة واحدة ،تستند على زجاج النافذة وهى تنظر بشرود الى الطريق ، فحياتها ربما ستتخذ منحنى أشد خطورة ، إذا حدث ما جعل قلبها يرجف من الخوف ، وهو أن ترحل جدتها عن عالمها ، فماجد ووالده لا يعلمان بما حدث ، فهما عادا للقاهرة لقضاء أمر هام ، بعدما أخبر محسن علية بشأن المشترى

وصلوا الى المشفى ، فدلفت ليان إلى غرف جدتها وجلست بجوارها ،فابتسمت لها تشد بيدها على كفها :
–:” عاملة ايه يا تيتة النهاردة”

ردت علية بصوت واهن :
–:” الحمد لله نحمد ربنا متزعليش منى يا ليان على اللى حصل”

حاولت ليان الإبتسام من بين دموعها التى ملأت مقلتيها وهى تقول:
–:” مش زعلانة منك يا تيتة المهم دلوقتى تقومى بالسلامة”

تلاحمت أصابع علية بأصابع ليان وهى تقول بأنفاس متتابعة :
–:” خلى بالك من نفسك ومن أخوكى هو باسم فين هو ورفيق”

مسحت ليان تلك الدمعة التى أنزلقت من عيناها وهى تقول :
–:” واقفين برا يا تيتة”

أخذت علية نفساً عميقاً وقالت:
–:” نادى عليهم عايزة اشوفهم يا ليان”

خرجت ليان من الغرفة ، وأخبرتهما برغبة جدتها برؤيتهما فى الحال ، فدلف رفيق الى الغرفة يتبعه باسم

فابتسمت لهما علية وهى تشير لهما بالإقتراب :
–:” خلى بالك من نفسك ياباسم ومن ليان وانت يا ابنى خلى بالك منهم دول أمانة فى رقبتك”

ربت رفيق على يدها وهو يقول :
–:” إن شاء الله يا حاجة علية بس متتعبيش نفسك بالكلام ارتاحى أنتى”

طافت نظراتها فى وجوههم وكأنها تودعهم ، وأغمضت عينيها بابتسامة ، وهى تنطق الشهادتين ، ترحل من هذا العالم بهدوء

فزعت ليان واقتربت منها تهز جسدها بقوة وهى تقول بصوت نائح :
–:” تيتة تيتة اصحى بالله عليكى تيتة ردى عليا”

أيقن رفيق انها فارقت الحياة ، فقام بسحب ليان ، حتى تكف عن تحريك جسد جدتها الراحلة ، فلا جدوى مما تفعله ، ولكنه وجد نفسه يحتويها بين ذراعيه يحاول تهدئتها

فهمس قريباً من أذنها وهو يشعر بالحزن أيضاً :
–:” اهدى البقاء لله مينفعش اللى بتعمليه ده ربنا يرحمها”

ظلت شهقاتها تعلو أكثر فأكثر ، وهى تنتحب على صدره و تنعى جدتها الراحلة ، وكأن شهقاتها ستخترق صدره وضلوعه فشدد من ضغط ساعديه عليها حتى تهدأ ولو … قليلاً

لم يكن باسم حاله يفرق عن حال شقيقته ، فهو يبكى أيضاً على فراق جدته الغالية ، حاول رفيق تهدئته هو الآخر فجذبه إليه
بذلك الوقت كان يقف على عتبة باب الغرفة ، كل من محسن وابنه ماجد بعد مجيئهما للمشفى لرؤية علية بعدما علما بما حدث لها ، فماجد الذى عندما رأى ليان بأحضان ذلك الرجل وهى واضعة رأسها على صدره وتلف ذراعيها حول خصره ، فى حين أنه هو الأخر يطوقها بأحد ذراعيه والذراع الأخر يطوق به باسم ، اشتعل بداخله بركان من الغضب والغيرة فكيف له ولها أن يحتضنا بعضهما البعض هكذا ؟

فتقدم منهم محسن قائلاً :
–:” فى ايه يا ولاد”

رفع باسم وجهه وهو يبكى قائلاً :
–:” تيتة ماتت يا عمو محسن”

شعر محسن بالحزن والأسف لما سمعه ، فرد قائلاً :
–:” لا حول ولا قوة الا بالله ان لله وان اليه راجعون”

تقدم ماجد هو الأخر ، وعيناه ترصد ليان ، التى أطرقت برأسها أرضاً وتبكى بحسرة بعدما حلت ذراعيها عن جسد رفيق ، الذى أتخذت من صدره مأوى لعبراتها التى بللت قميصه

فنظر لرفيق قائلاً :
–:” البقاء لله هو انت مين حضرتك”

قبل أن يقول رفيق شيئاً ، رد محسن قائلاً :
–:” هو حضرتك اللى كنت جاى علشان تشترى الأرض”

أماء رفيق برأسه قائلاً :
–:” أيوة أنا رفيق رسلان”

لم تكن تعى ما يجرى حولها ، فعالمها قد انهار بموت جدتها حتى أنها لم تعى ، كيف تم تجهيز جدتها لمأواها الأخير؟ فكل ما تراه كأنها أطياف واشباح بثياب سوداء

وجدت والدتها قادمة إليها ، فهى حضرت هى وزوجها بعد علمهما بموت علية ، فهما الآن ليس لديهما سواها

فأقتربت إلهام من إبنتها تطوقها بذراعيها وهى تقول :
–:” حبيبتى البقاء لله شدى حيلك”

أنسلت ليان من بين ذراعيها وهى تقول ببرود وجمود :
–:” ونعم بالله”

ربتت إلهام على وجنة إبنتها بلطف ولين قائلة :
–:” أنا لما عرفت اللى حصل لجدتك جيت انا وعمك فاروق على طول يا حبيبتى علشان متبقيش أنتى وباسم لوحدكم”

ردت ليان بسخرية أمتزجت بدموعها :
–:” فيكم الخير والله بس مكنش ليه لزوم تتعبوا نفسكم وتيجوا”

عادت ليان تجلس بصمت تستمع الى صوت القرأن الكريم ، شعرت إلهام بالحرج من قول إبنتها ، ولكن ذلك لم يمنعها من الجلوس بجانبها ، فأغمضت ليان عينيها ، وهى تشعر بإنسياب دموعها على وجنتيها ، أستمعت لكلمات المواساة من هؤلاء النسوة ، اللواتى جئن لمواستها فى مصيبتها ، ولكنها فى عالم اخر ، عالم خاوى من الدفء والحنان اللذان كانت تشعر بهما فى صوت جدتها

بالعزاء الخاص بالرجال ، كان رفيق يقف يتلقى العزاء هو وباسم ، وبجوارهما محسن وماجد ، وجميع الحاضرين لا يعرفون من يكون هذا الشاب ؟ الذى امتعض من وجوده ماجد ،وخاصة عندما رأه يحتضن ليان ، فهو لم يجد الوقت المناسب على محاسبتها على فعلتها تلك

فمال برأسه لوالده وقال بصوت منخفض:
–:” بابا هو اللى اسمه رفيق ده واقف ياخد العزا معانا ليه”

مطت محسن شفتيه قائلاً :
–:” مش عارف جايز علشان هى اتوفت وملهاش غير ابن ابنها وهو صغير فواقف جمبه”

اصطكت أسنان ماجد وهو يقول :
–:” بس ازاى هو يستنى معاهم كده ميصحش ومينفعش”

شد محسن على ذراعه ، لكى يكف عما يقول ، حتى لا ينتبه عليه أحد :
–:” أنا شوفت أمها وجوزها جم العزا هم مش لوحدهم ووطى صوتك لحد يسمعك يا ماجد”

أتسعت طاقتى أنف ماجد من الغيظ فقال :
–:” برضه إحنا منعرفش مين ده بعد العزا نشوف مصير ليان وباسم ايه”

أجابه والده بهدوء :
–:” إحنا ملناش ندخل فى حياتهم يا ابنى أمهم لسه موجودة ومينفعش نتكلم فى الموضوع ده دلوقتى”

لم يتروى ماجد قبل أن يقول بحدة :
–:” لاء لينا متنساش انهم ولاد اعز اصحابك وانت بتحبهم ومترضاش ليان تقعد مع واحد غريب ثم أنت مش قولتلى أنك موافق أتجوز ليان الصراحة أنا مش طايق اللى اسمه رفيق ده بعد اللى شوفته فى المستشفى”

حدجه والده بنظرة غاضبة فرد قائلاً بصوت منخفض :
–:” بعد العزا نشوف الكلام ده ثم هو ده وقت غيرتك العميا يا ماجد أنت شكلك أتجننت النهاردة”

فلو كان بيده ، كان وقف أمام رفيق الآن ، يسأله لماذا ظل هنا ولم يرحل ؟ فهو يريد منه الابتعاد عن ليان وحسب
جلس فاروق يشعر بسعادة غامرة ، بالرغم من أنه يرسم على وجهه علامات الحزن الزائف ، ولما لا يشعر بالسعادة وحلمه أصبح على وشك التحقيق فبموت تلك المرأة لم يتبقى لتلك الفتاة سواهما ، فهو أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مراده تلك المرة

يشعر بإنتشاء يسرى بعروقه ، بعدما علم أنه تم وضع علية بين طيات الثرى ، وها هو الآن ، يجلس بالعزاء الخاص بها ، كمن ظفر بربح وفير

فهمس لذاته ، حريص على ألا تتحرك شفتاه ويسمع أحد ما يقوله :
–:” أخيراً الولية القرشانة دى ماتت ، دى كانت كاتمة على نفسى بس اهى غارت ودلوقتى ليان مبقاش ليها غيرنا يا فرحتك يا فاروق ، هتاخد الفرخة اللى هتبيض دهب “

لو لم يكن هذا عزاء ، ربما لرقص فرحاً لتفكيره فى مستقبله الوردى ، الذى ستكفله له تلك الفتاة من جمالها وصوتها الخلاب

بعد أن أنصرف آخر فرد فى العزاء ، دلف محسن وباسم وماجد وفاروق إلى المنزل ، كانت ليان تجلس برفقة أمها بعد انصراف النساء ، فلمحت دلوف رفيق متأخراً عنهم ، فهو كان يقوم بدفع تكاليف العزاء ، بعدما أصر على محسن بأنه هو من سيتكفل بالأمر ، فولج يحمل سترته على ذراعه بهيبة وسطوة ونظرة مخيفة ثاقبة ، جعلتها تزدرد لعابها

فهمست بخوف :
– أسترها يا رب

رأته يلج المنزل ، فشعرت بذلك الفيضان الأعمى من الكره ، يتدفق بداخل قلبها ، وجدت نفسها تهب واقفة ، تريد الذهاب إلى غرفتها ، ولكن أوقفها صوت أمها ، وهى تناديها من أجل تناول شئ من الطعام ، الذى زهدت به منذ الصباح الباكر

فأقتربت منها إلهام تربت على كتفها وقالت:
– تعالى كلى لقمة يا حبيبتى أنتى من صباحية ربنا ما أكلتيش حاجة يلا أنا حضرت العشا

– مليش نفس ومش عايزة أكل
قالتها ليان وهمت بالذهاب لغرفتها ، فجذبها باسم من يدها ، فهو يعلم ما تشعر به ، ولكن يجب عليها أن تتناول طعامها

فنظر إليها برجاء :
– علشان خاطرى أنا يا ليان لازم تاكلى

لم تخيب رجاءه لها ، فجلست على المائدة بجواره ، فى هذا الوقت بدأت إلهام بوضع أطباق الطعام على المائدة ، جلس رفيق مقابل لها يجلس بجواره محسن وماجد وعلى رأس المائدة جلس فاروق ، إلا أن شهية ليان شبه مفقودة ، فوضعت من الطعام القليل بفمها ، وكلما رفعت رأسها تصطدم عيناها بوجه رفيق ، فهو يتناول طعامه بهدوء مميت ، فظلت ليان خائفة لمدة زادت عن الخمسة عشرة دقيقة ، وهى جالسة وترى الجميع يحدق بها ، فأرادت الفرار إلى غرفتها

فنهضت عن المائدة وهى تقول بخفوت :
– الحمد لله شبعت

نظر لها فاروق وهو يقول :
–:” جهزوا حاجتكم يا ليان انتى واخوكى علشان تيجوا معانا بكرة على بيتنا فى القاهرة”

قالت ليان بجمود :
–:” أنا تعبانة وعايزة أنام ومش عايزة اتكلم مع حد خالص ثم مش همشى من البيت إلا بعد أيام العزا ما تخلص “

انهت حديثها وذهبت لغرفتها، تريد أن ترتاح قليلا من هذا الالم ، الذي تشعر به يفتت قلبها بلوعة الفراق ، فراق جدتها الحبيبة
وجدت نفسها تنفجر بالبكاء ثانية ، تحاول كتم صوتها بوسادتها حتى لا يسمعها احد من الجالسين بالخارج

نهض رفيق عن مقعده هو الاخر قائلاً:
–:” عن اذنكم علشان أرتاح شوية علشان لأن أنا مرهق جدا”

أسرع ماجد بالقول ، بما يشبه الهجوم :
–:” وحضرتك هتنام فين بقى”

نهض باسم هو الآخر وقال بهدوء :
–:” هو بينام فى الاستراحة اللى فى الجنينة برا “

قام محسن من مكانه ، فربت على كتف رفيق قائلاً بإمتنان:
–:” تشكر يا أبنى على وقفتك معاهم”

رد رفيق قائلاً بهدوء :
–:” لا شكر على واجب عن اذنكم”

خرج رفيق من المنزل ، تتبعه عيون ذلك الشاب ، الذى لم يستساغ وجوده هنا ، فهو يشعر بخطر قريب ولا يعرف سبباً لذلك ، غير أنه لم يأمن جانب وجود رفيق قريباً من ليان ، فشتان بينهما ، فإن كان ماجد مازال يافعاً وبمقتبل عمره ، فرفيق رجل بإمكانه جذب الأنظار إليه ، بدون بذل أى مجهود يذكر ، وأولاً وأخيراً ليان مازالت بطور نضوجها العقلى والجسدى والعاطفى ، حتى وإن شعر بميلها نحوه ، فهو لا يعلم ما يمكن أن يحدث بعد ذلك ، شعر بالضيق من تفكيره ، فهى لن ترى هذا الرجل المدعو رفيق ثانية ، فالظروف هى من جعلتها تقابله ، وبعدما ينتهى الأمر ، سيعود كل شئ لما كان عليه سابقاً ، فلا حاجة له لكثرة التفكير
_____________
تملكها الملل والفتور لغياب أخيها عن المنزل ، منذ عدة أيام ، فهى غير معتادة على فراقه هكذا ، تشعر كأن والدها قد تركها وحيدة ، تشتاق لرؤياه ودلاله لها ، حتى وإن كانت جالسة برفقة والدتها وشقيقها الثانى ، فهى تشعر بالحزن لعدم وجود شقيقها الأكبر

فنفخت رهف بضيق وقالت:
–:” أوووف وبعدين بقى هو ابيه رفيق مش ناوى يرجع هو عجبته القاعدة هناك أنا هطق”

أزاحت منى يدها من على وجنتها وهى تقول:
–:” بيقول عنده شغل مهم يا رهف وبطلى زن بقى من ساعة ما رفيق سافر وأنتى مش مبطلة وجعتى دماغى من كتر الزن”

تجهمت ملامح وجه رهف وهى تقول:
–:” شغل ايه ده اللى يخليه يقعد برا البيت كل ده دا لو بيشترى البلد اللى رايحها كلها كان زمانه رجع انا مش داخل دماغى الكلام ده”

رفع مالك حاجبه قائلا بغرابة :
–:” أنتى عاملة كده ليه يا رهف زى ما تكون واحدة وجوزها سابها ومستحلفاله لما يرجع ايه الأوفر بتاعك ده ثم أنا مش مالى عينك”

تطلعت إليه رهف بوجه شابه الحزن وقالت :
–:” بطل هزارك ده بقى يا مالك انت عارف ابيه رفيق يبقى ايه بالنسبة ليا دا أبويا وأخويا وكل حاجة وانت كمان حبيبى يا مالك بس أبيه رفيق حاجة تانية”

تقبل مالك قولها برحابة صدر وقال :
–:” عارف يارهف وهو برضه غالى عليا أوى ووحشنى انا كمان والله اليومين دول واحشنى دلق الماية عليا الصبح حاسس كأنك فى حاجة نقصانى”

تبسمت منى وقالت بحنان وحب :
–:” ربنا يباركلنا فيه ويرجع بالسلامة ان شاء الله”

أمن على دعاءها كل من رهف ومالك ، فنهضت رهف من مكانها وهى تقول:
–:” أنا طالعة بقى أنام تصبحوا على خير”

أقتربت من والدتها وقبلتها على وجنتها وكذلك شقيقها مالك ، فصعدت الى غرفتها ،ففكرت فى الاتصال بليان للاطمئنان على أحوالها ، فهى لم تحدثها منذ أن أصابها الملل والحزن لسفر شقيقها رفيق ، فهى هكذا إذا شعرت بالحزن ، تعتزل الجميع حولها
اخرجت هاتفها من جيبها قام بالاتصال عليها ، فجاءها الرد من ليان ، فأسرعت رهف قائلة :
–:” ايوة يا ليان اخبارك ايه وحشانى اوى معلش أنشغلت عنك اليومين اللى فاتوا أخبارك ايه”

ردت ليان بحزن وغصة :
–:” وانتى كمان يارهف متصدقيش وحشانى قد ايه ومحتجالك دلوقتى”

قالت رهف بقلق من رنة صوتها :
–:” مال صوتك يا ليان باين عليكى حزينة اوى حصل حاجة يا حبيبتى طمنينى عليكى”

أنفجرت ليان باكية وقالت :
–:” تيتة اتوفت يا رهف ماتت وسبتنى لوحدى أنا وباسم”

فزعت رهف من قول ليان فردت قائلة بحزن هى الأخرى :
–:” لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم شدى حيلك يا حبيبتى البقاء لله”

ردت ليان قائلة:
–:” ونعم بالله”

–:” والله لو اعرف اجيلك بلدكم كنت جيتلك يا ليان متتصوريش أنا زعلت قد ايه لما قولتيلى”
قالتها رهف بمودة خالصة

فأجابتها ليان قائلة :
–:” كأنك جيتى يا حبيبتى تسلميلى يارهف ومتحرمش منك ابدا يارب”

ظلت رهف تواسيها بكلماتها فهى تسمع صوت بكاءها عبر الهاتف ولا تعرف ماذا تفعل ؟ لا تجد سوى الكلمات لتواسيها بها ، فظلتا وقتاً لا بأس به ، ورهف تحاول جعلها أن تكف عن البكاء والنحيب ، فبجهد جهيد إستطاعت ليان الكف عن البكاء ، فأنتهت المحادثة بينهما وعادت ليان وتسطحت على فراشها تنظر لسقف الغرفة وعيناها متحجرة ، تخشى أن تغمض عيناها وعندما تفتحها ثانية ، تجد عالمها القديم ، قد ذهب بدون عودة
________________
بعد دلوفه إلى الحجرة ، قام باخراج بعض الثياب التى إبتاعها ، فهو لم يكن لديه ما يرتديه ، سوى الثياب التى أتى بها ، فأخذ الثياب ودلف الى المرحاض ، قام بتشغيل الماء الذى تدفق على رأسه كأنه شلال ، فأغلق عينيه ينشد بعض الراحة من ضغط تلك الايام الفائتة
انتشر البخار فى المرحاض ، وحجب عنه الرؤية ، وكأنه كان يريد النظر الى المستقبل ، الذى لم يبد له أمارات حتى الآن

فبعد الانتهاء خرج من المرحاض ، ورقد على الفراش واضعاً يديه أسفل رأسه ، يفكر ويفكر حتى شعر بأن رأسه ربما ستنفجر من كثرة التفكير ، فعندما جفاه النوم خرج من الغرفة ، يستنشق بعض الهواء بالرغم من البرد القارص ، إلا أنه بسبب ما يشغل عقله ، لم يشعر بالبرد ، فوضع يديه بجيبه يمشى بخطوات بطيئة بحديقة المنزل

ولكنه لمحها تقف فى شرفة غرفتها ، يتلاعب النسيم البارد بخصلات شعرها ، تقف بجمود تنظر الى السماء المعتمة ، فكم هى حقاً ساحرة ذات لسان سليط

ظل واقفاً مكانه يتأملها ، وكأنها لوحة فى إطار خرافى ، يزينها سواد هذا الليل البديع والساحر ببرودته القارصة ، التى لم يشعر هو بها ، بل شعر بسيل من الدفء يغزو حواسه من رؤية تلك الساحرة الصغيرة ، والتى لم يلقى منها معاملة حسنة

فتعجب من تفكيره ، وقال بدهشة :
– :” هو ايه اللي انا بعمله وبفكر فيه ده أنا اتجننت ولا إيه”

خفضت ليان عينيها إلى الأسفل ، ورأته يقف بجوار إحدى الأشجار ، فوجدت قدميها تتسابق للدخول الى غرفتها فهو أخر إنسان تريد رؤيته الآن

فجلست على الفراش وهى تدمدم بغيظ:
– :” مش ناقصة شوفته كمان تعكنن عليا حياتى كفاية الأيام اللى فاتت وأنا حاسة كأنى بموت وأنا بشوفه بيتحكم ويزعق فيها يارب الأيام دى تعدى على خير بقى يارب أنا تعبت”

ظلت تناجى ربها ، أن يبعث لها بأيام سعيدة ، فهى تشعر أن الايام القادمة ، ستكون أيام ثقال لم تمر بحياتها من قبل

عندما رفع رفيق بصره مرة أخرى ، وجدها قد اختفت ، كحورية صغيرة ظهرت له من العدم ، ثم اختفت فى الظلام ، فمنذ متى وهو يتأمل أى أنثى كانت؟ منذ متى وهو تفتنه رؤية فتاة ؟
فتلك الفتاة جذابة بشكل يثير الريبة ، فبالرغم من أن بداية مقابلته لها لم تكن ودية ابدًا ، إلا أنه الآن لا يكبح جماح نفسه من مراقبتها ورؤيتها ، رؤية تلك الفتاة التى صار قلبه ينعتها ب ….الساحرة الصغيرة

نقم على تفكيره هذا ، فعاد للغرفة ثانية ، وأرتمى على الفراش ، ولم يكتفى بذلك ، بل أنه أخذ الوسادة ووضعها على رأسه ، لعل يكف عن التفكير بتلك السخافات
____________

يتبع…!!!!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى